الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42991 مشاهدة
باب من حسن إسلام المرء

من حسن إسلام المرء قال: مالك أخبرني زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها وكان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها .
وقال: حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: -رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها .


حسن الإسلام معناه: الاستمرار عليه والعمل بتعاليمه؛ فيقال هذا إسلامه حسن هذا أحسَنَ في الإسلام فإذا وفق الله العبد فأسلم ودخل في دين الله فإن الله –تعالى- يمحو عنه سيئاته ولو كانت كفرا وشركا يمحوها بهذا الإسلام إذا كان إسلاما حسنا جاء في الحديث الإسلام يهدم ما قبله؛ والهجرة تهدم ما قبلها والتوبة تهدم ما قبلها فإذا كان الإسلام يجبّ ما قبله فإنه يكفّر عنه كل ما كان قد عمله من قبل.
ذكر ذلك في حديث عمرو بن العاص لما أراد أن يسلم ويبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أريد أن أشترط! تشترط! تشترط ماذا؟ فقال أن يمحو الله عني ما كنت أعمله أي السيئات التي عملتها فيما سبق وكان قد آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع جملة من آذاه وكان قد أشرك بالله فقال له النبي: -صلى الله عليه وسلم- أما علمت أن الإسلام يجبّ ما قبله –يعني- يكفر ما قبله من الذنوب ولو كانت كفرا وشركا.
فيقول: في هذا الحديث إن العبد إذا أسلم وحسن إسلامه فإن الله –تعالى- يغفر له كل سيئة كان زلفها –يعني- كان قدَّمها وقد عملها فيما سبق كل سيئة كان زلفها يغفرها الله ويمحو عنه أثرها؛ ثم بعد ذلك يجازيه على ما يعمله بعد الإسلام فيثيبه على الحسنة بعشر وعلى السيئة بواحدة إلا أن يغفرها الله؛ فالله –تعالى- ذكر مضاعفة الحسنات قال تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقال تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ .
فهذا من فضل الله –تعالى- أنه يجعل الحسنة بعشر أمثالها فيزيدها لعبده إذا حسن إسلامه؛ وأما السيئة فتأبى حكمته أن يزيد فيها فلا يثيبه ولا يعاقبه إلا على سيئة واحدة يثيبه على الحسنة بعشر أمثالها وعلى السيئة بمثلها وقد يتجاوزها الله –تعالى- ويمحوها ولا يهلك على الله إلا هالك؛ وكذلك لا شك أن الحسنات يضاعفها الله –تعالى- زيادة على العشر في بعض الأسباب كالحسنات في رمضان يضاعفها الله أضعافا كثيرة؛ في بعض الأحاديث أن الله –تعالى- يقول: أو النبي -صلى الله عليه وسلم- كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة قال الله –تعالى- إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به .
-يعني- أنه قد يضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف كما ذكر ذلك في النفقة في سبيل الله أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف في قوله: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ –يعني- حبة واحدة أنبتت سبع مائة حبة فكذلك المضاعفة في الأوقات الفاضلة كرمضان وفي الأماكن الفاضلة كالحرمين فإن المضاعفة فيهما أضعافا كثيرة؛ كذلك أيضا السيئة لا يضاعفها ولكن إذا كانت في مكان محترم أو وقت محترم فإنه يعظمها يعظم ذنبها يعظم جرمها ويعاقب عليه عقوبة أشد من العقوبة التي على تلك السيئة في غير ذلك المكان أو في غير ذلك الزمان وذلك لأنه امتهن الأماكن المقدسة ولم يعطها حرمتها.